لم يعد خطر التدخين، أو التعاطي للمخدرات يقض مضجع المسؤولين وأولياء الأمور، ذلك البعد الذي يكفي لتحاشيه سد الطريق أمام الشباب لارتياد الأماكن المشبوهة.
وإنما صار المجهود مضاعفا، جراء زحف هذه الآفة إلى المدارس والثانويات بحكم استحالة منع التلاميذ من ولوج هذه المؤسسات ليبقى الأمل معقودا على رصد أسباب الظاهرة كخطر أولي لإيجاد الحلول المناسبة لتخطيها، ومن أجل هذه الغاية قامت "المغربية"
بجولة في مجموعة من المؤسسات التعليمية، والتقت تلامذتها وأساتذتها.
"هذي تهمة خطيرة أختي على كون كنت داير شي حاجة غادي تلقيني مكالمي هكذا"، هكذا أجابنا حمودة ذو العينين الحمراوتين، وفكر تائه بين الوعي واللاوعي، انعكس على صوته المثقل بالعياء، وأضاف هذا التلميذ البالغ من العمر 17سنة مستدركا »أنا بعدا يالاه جيت، سيطادير ماقريتش الصباح كامل«قال حمودة، هذه العبارة قبل أن يستأذن بالانسحاب وهو يلمح إلى أن مواعيد الدراسة هي المقرونة بإمكانية تناوله لأي مخدر، وطالما أنه بعيد عن الأجواء الدراسية، لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع.
وفي الوقت الذي نفى فيه حمودة تناوله لمادة مخدرة، وأن ما كان يبدو عليه من ارتباك هو نتيجة سيجارة من الحشيش دخنها عشية اليوم الذي سبق التقاءنا به، أكد بالمقابل سفيان البالغ من العمر 19 سنة انتهائه على التو من استنشاق ما اسماه "المسطرة"، وهي بحسبه كمية من مسحوق "النفحة"، يشعلها بين الفينة والأخرى لضبط توازنه، إذ من دونها يؤكد سفيان يتعذر عليه متابعة دروسه على النحو السليم أو حتى فهم جملة واحدة من شروحات الأساتذة.
أما بخصوص الكيفية التي يحصل بها على هذا المخدر، ابتسم سفيان تعبيرا على بساطة الجواب، وقال "لم يعد هذا الأمر مشكلا على الإطلاق، بل حتى مسألة المقابل المادي تعتبر متجاوزة في العديد من الحالات، خصوصا تلك المتعلقة بالعلاقات بين الأصدقاء"
ومن جهته، أسر لنا عماد كون عناصر لاعلاقة لها بالمؤسسة، تزور التلاميذ بصفة شبه يومية متسائلة عن طبيعة احتياجاتهم من المخدرات، على أساس أن يحضروها في أقرب وقت ممكن، بل حتى أمر السداد يتساهلون فيه، بحكم الرابطة الوطيدة التي أصبحت تجمع هؤلاء التجار وزبنائهم التلاميذ.
يقول هذا التلميذ (18 سنة)، عن سبب تناوله إلى جانب زملائه للمخدرات، خاصة في هذه السن المبكرة »كما لا تختار المشاكل سنا معينا فلا يحق الحديث عن صغر السن لمستهلك المخدر فالمعاناة التي نقاسيها في حياتنا اليومية سواء كانت عائلية، أو على مستوى غموض المستقبل، تجعلنا لا نفكر إلا في ما ينسينا هذه الهموم بصرف النظر عن الطريقة، وبالتالي فإن كل ما يستطيع تغييب وعينا ولو بشكل ظرفي لا نتوانى في الإقدام عليه« وغير بعيد عن هذه الثانوية التي قضينا فيها قرابة نصف اليوم، دون أن نعاين حالة واحدة لفتاة مدخنة، صادفنا في مؤسسة مجاورة تلميذات لا يختلفن في الابتلاء بهذه الآفة عن التلاميذ الذكور، ولو أن أغلبهن يقتصرن على مسحوق مخدر يلففنه في ورق شبيه بلفافة السيجارة، قبل أن يضعنه تحت اللسان، وفي هذه الطريقة حسب إحدى التلميذات مزايا عديدة منها افتقاده لأي رائحة، من الممكن أن تثير الانتباه، ناهيك عن انخفاض ثمنه الذي لايتعدى خمسة دراهم.
وللأسباب نفسها اختارت فتيحة (16 سنة) مادة المعجون، كمخدر يستجيب لمتطلباتها الذاتية، ولو أن لها ظرفا خاصا يتمثل في أن أحد أصدقائها يختص في تهيئه، لأن في ذلك تقول فتيحة، ما يطمئنها على نقاوة مكونات المخدر ويقيها شر البائعين الذين يخلطون عناصر المعجون بمواد طبيعية فاسدة.
وبالتوجه لاستطلاع رأي الأساتذة العاملين بهاته المؤسسات التربوية، تأسف في هذا الصدد العديد منهم لانتشار هذه المعضلة في الوسط التعليمي، مؤكدين حضور بعض تلامذتهم فاقدين للوعي، وغير آبهين حتى بالجو الدراسي، الذي أقحموا فيه، وفي ذلك يقول محمد أفكير أستاذ مادة الفيزياء »نعاني فعلا من هذا المشكل خصوصا في صفوف التلاميذ الذكور، الذين يعتبرون هذا السلوك حقا من حقوقهم الشخصية، في حين أن الإشكال الأعظم الذي نواجهه هو حين يطرد مدمن ما من الفصل، ويصل النقاش إلى الإدارة، ففي هذه الحالة تقلب الطاولة على المدرس، من منطلق أن الإدارة تحرص على أن تظل سمعتها نظيفة في نظر المسؤولين، دون اعتبار المخاطر التي تهدد الأساتذة داخل العمل.
ومن أجل تفادي كل هذه التبعات، قالت الأستاذة حجيبة محملة أولياء الأمور الجانب الأكبر من المسؤولية »يتعذر أن ننتظر تدخلا ناجحا من الأطر التربوية في ظل الإهمال الأسري لهذه الظاهرة، وعليه يجب على الآباء أن يحرصوا على تعقب تصرفات أبنائهم والتغيرات التي تحدث على حياتهم اليومية، لأن بهذه الطريقة يمكن ولو جزئيا التصدي لإمكانية تمادي التلميذ في طريق الإدمان.
وتستطرد بشرى أستاذة في مادة الرياضيات، التي ضمت صوتها إلى زميلتها حجيبة، مشيرة إلى أن الدوريات الأمنية يجب عليها أن لاتقتصر على مداهمة الأحياء الهامشية فقط، وإنما تضع في حسبانها وجود مجرمين أشد شراسة بمؤسسات تعليمية، التي يفترض أن تكون نموذج الوسط الذي يحتضن أنظف مكونات المجتمع .
وعن رأيه في الأسباب، التي تكمن وراء تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في المدارس التعليمية، قال محمد القاديري مدير مؤسسة تعليمية في الدار البيضاء »إن تفاقم العلاقات الاجتماعية الذي أصبح يميز مجتمعنا يعتبر من أهم الأسباب التي تكمن وراء هذا الانحلال الأخلاقي، والذي ينتج عنه عموما كل ما هو معاد للطبيعة«.
ويضيف تعتبر ظاهرة الإدمان هاته في المدارس، من المشكلات التي لا يمكن دراستها بمعزل عن رصد الواقع الأسري في بلدنا، ومن ثمة وضع اليد على مستوى الخطاب الذي يخيم على هذه الأسر إذ نسجل من خلال عملنا اليومي غياب الحوار بين أفراد الأسرة، الأمر الذي يشجع أو بالأحرى يدفع كل عنصر إلى التفكير بمفرده لأجل إيجاد الحلول التي يراها مناسبة لوضعه، وذلك بصرف النظر عن سلامتها.
ويختم المسؤول التربوي في تصريحه بكون تجنب أي انعكاسات سلبية لهذه الآفة يقتضي من أولياء الأمور محاولة فتح النقاش مع أبنائهم للوقوف على ما يعانون منه داخل البيت، وقد يدفعهم إلى القيام بردود فعل كتعاطي المخدرات، إذ بهذه الطريقة سيمكن التصدي للإشكال في مهده قبل أن يتحول إلى كارثة صعبة التجاوز .