على الرغم من الارتفاع المذهل في معدلات الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والسرطان، إلا أن العلماء تمكنوا من وضع أيديهم على بعض الحقائق المهمة المتعلقة بهذه الأمراض ورصد عدد من العوامل المشتركة التي تسبب مضاعفات صحية ونفسية واقتصادية خطيرة. وهذا ما يساعد بشكل كبير في معرفة طبيعة هذه الأمراض بدقة وتحديد أسرع الطرق وأكثرها فعالية للسيطرة عليها.
ومن بين هذه الحقائق التي أثبتتها الأبحاث أن السمنة تأتي في مقدمة الأسباب المؤدية إلى الإصابة بمثل هذه الأمراض الخطيرة التي نطلق عليها «أمراض العصر».
ومن المعروف أن هناك أكثر من 140 مليون شخص على مستوى العالم مصابين بداء السكري النوع الثاني في حين تبلغ معدلات الإصابة بالمرض في المملكة العربية السعودية نحو 17%.
غير أن المعدلات التي ينتشر بها المرض تنذر بعواقب خطيرة وتستدعي تضافر الجهود للحؤول دون تفاقم المشكلة وارتفاع أعداد المرضى المحتملين. وهذا ما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى إدراج السكري ضمن فئة الأمراض الوبائية على مستوى العالم.
ويعرف داء السكري النوع الثاني بأنه خلل في عملية تمثيل السعرات الحرارية وتحويلها إلى طاقة نتيجة عدم إفراز البنكرياس لكميات كافية من الإنسولين وعجز الجسم عن الاستفادة من الإنسولين.
وقد أثبتت الإحصاءات أن 90% من مرضى السكري النوع الثاني هم بدناء ويعانون زيادة الوزن والسمنة التي تسببها أحيانًا بعض أدوية علاج السكري.
كما ثبت أن زيادة الوزن تجعل الجسم أكثر مقاومة وأقل حساسية للاستجابة إلى الإنسولين، وأن تخفيف الوزن على نحو تدريجي معتدل (بواقع 5% إلى10% من الوزن الأصلي للجسم) ثم المحافظة على ذلك يعد بمثابة حجر الزاوية في أي برنامج ناجح لعلاج داء السكري، ومن شأنه أيضًا تحسين مستوى السكر في الدم.
لقد سجلت بعض الدراسات التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم على مرضى النوع الثاني من السكري بعض النتائج المهمة: ففي فنلندا أثبتت إحدى الدراسات أن فقدان 4كيلوغرامات من الوزن تدريجيًا يقلل خطر الإصابة بمرض السكري بنسبة 58%.
وفي السويد أثبتت دراسة أخرى أن فقدان ما يراوح بين 2.3% و 3.7% من وزن الجسم قد ساعد أكثر من 50% من مرضى السكري الذين أصبحوا طبيعيين في نهاية المطاف. فيما أشارت دراسة ثالثة إلى أن اتباع نظام غذائي سليم وممارسة التمارين الرياضية يقلل من خطر التعرض لمرض السكري بنسبة 31% إلى 46%.
غير أن العقبة الرئيسية تكمن في حقيقة أن مرضى السكر لديهم استعداد تلقائي وميل كبير لمقاومة إنقاص الوزن، حيث وجد أن نسبة المرضى الذين يتمكنون من تخفيض أوزانهم بالاعتماد على الحمية الغذائية وممارسة الرياضة فقط لا يتجاوز 10% بأي حال، ومن هنا فإن عملية تخفيف الوزن والتحكم فيه تمثل تحديًا حقيقيًا بالنسبة لمرضى النوع الثاني من السكري، ويصبح اللجوء إلى علاج السمنة بواسطة الأدوية أمرًا ضروريًا.
نتائج غير مشجعة
إن نتائج بعض أنواع عقاقير تخفيف الوزن لم تكن مشجعة للأطباء والمرضى على حد سواء. فهناك نوع من عقاقير تخفيف الوزن يساعد على الإحساس بالشبع «مثبطات الشهية»، وهو يعمل على تنبيه مراكز الإحساس بالشبع في المخ ويمنع وصول المؤثر الذي ينتج عن انقباض المعدة الخاوية.
وهذا النوع من الأدوية غاية في الخطورة لاسيما مع استخدامها على المدى الطويل إذ إنها توثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المركزي وتسبب بعض المتاعب الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم والشعور بجفاف الحلق والصداع والأرق، هذا بالإضافة إلى عدم تأثيرها في تحسين مستوى السكر في الدم.
هناك أيضًا نوع آخر من الأدوية التي تسبب آثارًا سلبية خطيرة على الكبد، وهذه الأدوية تم حظر تناولها من قبل هيئة الرقابة على الأدوية والغذاء في الولايات المتحدة (FDA).
أما المستحضرات التي لا تندرج ضمن فئة الأدوية والموجودة في متاجر المنتجات الاستهلاكية ومحال التجميل مثل ما يسمى «مغناطيس الدهون» فقد ثبت عدم جدواها وعدم تأثيرها بشكل إيجابي على تخفيف الوزن، حيث أثبتت نتائج دراسة تمت تحت إشراف لجنة الأبحاث في جامعة كمبردج، وشملت عينة من 34 رجلاً و51 امرأة يعانون السمنة، عدم نجاح هؤلاء الأشخاص في إنقاص أوزانهم باستخدام هذه المستحضرات.
ووفقًا لتقديرات التقارير الصادرة مؤخرًا عن معهد التفوق الطبي في بريطانيا فإن الحكومة البريطانية تتكبد سنويًا ما لا يقل عن 5 مليارات جنيه استرليني كتكاليف مباشرة وغير مباشرة مرتبطة بالسمنة.
كما تفيد التقارير الواردة من الدول المتقدمة مثل هولندا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، السويد، أن تكاليف البدانة تراوح بين 3% و 8% من إجمالي نفقات الرعاية الصحية في هذه الدول. بيد أن الخبراء يعقدون آمالاً كبيرة على رفع المستوى الصحي لدى العديد من مرضى السمنة والسكري وخفض هذه التكاليف بشكل ملموس.