وبعد أن تمكن بادن باول من الانتصار على قبائل البوير تمت ترقيته إلى رتبةلواء وكان الأصغر في الجيش البريطاني من بين من يحملون هذه الرتبة حيث كان عمرهأنذاك ( 43 ) سنة.
ويقول روبرت عن حصار ( مافكنج ) :-
" ولقد تمكنتمن إختبار فائدة الفتيان الصغار أثناء الدفاع عن مافكنج ، ولم يكن هناك من يفكر بأنمافكنج ستكون يوما من الأيام هدفا للعدو.. عندما تأكدنا من حقيقة غزونا في مافكنجسارعنا إلى توزيع حاميتنا على المراكز التى كانت بحاجة إلى الحماية وكانت مؤلفة منسبعمائة رجل , ثم اضطررنا إلى تجنيد رجال المدينة وعددهم ثلاثمائة للدفاع عن مكانيبلغ محيطة ثمانية كيلو مترات وكلما قتل عدد من المدينة ازدادت الأعباء على البقية , ولقد استطاع رئيس أركان الحرب أن يجمع فتيان المدينة الصغار وينظم منهم وحدةصالحة ونافعة مثل تبليغ الأوامر وحمل التعليمات والقيام بأعباء الحفر والخدمةالعادية مما كان له أكبر الأثر في فك الحصار عن الحصن الذي أستمر سبعة أشهر .
كما استطاع بادن باول أن يقنع هيئة الأركان البريطانية بأهمية فنالاستكشاف الأمر الذي جعل اللواء (( سميث )) يختاره مساعدا له على الرغم من أنرتبته كانت أقل مما يتطلبه هذا المنصب ثم أرسله في بعثة خاصة لأداء مهمة عسكريةوكانت مهمة البعثة التى تتكون من ستمائة جندي من البريطانيين والسود هي لاستتابالأمور على الحدود مع قبائل الزولو والقبض على الزعيم (( دينزيلو )) ثم مساعدةالمفوض الإنجليزي الذي كان محاصرا في داره من قبل قبائل الزولو. وهكذا نجح روبرت فيهذه المهمة بفضل معلوماته وخبرته . والاستفادة من كشافته البيض والسود . وكان ذلكفي عام ( 1887 ) وأستفاد بادن باول من هذه التجربة أمرين هما :-
• الهديةالتي قدمها له الزعيم (( دينزيلو )) وهى عقد كبير علقت فيه بعض القطع الصغيرة منالخشب المنحوت والتي أصبحت تقدم فيما بعد إلى المفضلين والقادة من كشافته كبادرةمازالت قائمة حتى الآن .
• تجربته بأن لا يكتفي بمواجهة العدو فقط ولكن أنيستفيد من طريقته في الحياة والعيش والثقافة ، مهما كان هذا الخصم ، فالأفراد جميعاعل مستوى واحد في هذه القيم ، ونجد هذا واضحا في تعلمه بعض العادات الغريبة التىكانت قبائل الزولو تتبعها في تربية أبنائها . حيث انهم كانوا إذا بلغ الفتى منهمالخامسة عشر . جردوه من ثيابه وقاموا بطلاء جسمه بطلاء خاص حتى لا يزول إلا بعدثلاثين يوما ، ثم يقلد ترسا ورمحا ، ويؤمر بمغادرة القرية إلى داخل الغابة ، ولايعود منها إلا بعد مضى الشهر ( أي بعد زوال الطلاء الأبيض عن جسمه ).
فإنعاد قبل نهايته قتل ،كان الفتى يلجأ إلى الغابة ، فكان عليه لأن يعيش في أدغالهاوأحراشها بين الفهود والنمور ، السباع والضباع ، الفيلة والذئاب ، والثعابينوالحيات وغيرها مما تزخر به من مختلف أنواع الحيوانات المفترسة ، والوحوش الضارية ،والطيور الكاسرة , والزواحف السامة .
فكان عليه أن يختالها ويروض نفسه علىالحياة بينها . كما أنه لكي يكمل مهمته يجب عليه أن يدرس أنواع نباتها ليميز الصالحمنها لغذائه ومسالك الغابة ودروبها حتى يعرف طريقه فيها وأماكن المياه الصالحةللشرب .. حتى يجد حاجته منها مهيأة ميسورة .
وهكذا يقضى الفتى هذا الشهر فيالغابة ، فإن استطاع مغالبة الصعاب ومصارعة الأهوال والمشاق ومصابرة الحياة بين هذهالوحوش والهوام
وعاد إلى قبيلته بعد وفاء مدته ، فإنهم حينئذ يستقبلونهإستقبال البواسل ويرحبون به ترحيب الفارس المقدام ويقيمون له حفلا يقلدونه فيه سيفالجندية ويطلقون عليه لقب (( فارس القبيلة )) .....
بعد ذلك شارك روبرت فيحروب قبائل الاشانتى والمتابيل تلك القبائل الباسلة التى يسميها المستعمرونبالقبائل المتوحشة .. وكان المواطنون هناك يخشون بأس وبطش بادن باول حتى أنهمأطلقوا عليه لقب " أمبيزا " أي الذئب الذي لا يغفل وذلك لما لمسوه من شجاعة وعبقريةوتوالت ترقيات بادن باول ووصل إلى رتبة عميد في سن التاسعة والثلاثين وأصبح قائدللفرقة الخامسة للخيالة ونقل إلى الهند مرة أخرى ، ثم أنشأ فرقة كشافة في سريتهلإقتناعه بأنه واجب واهتم بتدريبهم واتخذ لهم شعارا خاصا بهم يشبه زهرة الزنبقوكانت مهمتها المساعدة في الانشطة العسكرية. وبعد عودة بادن باول إلى إنجلترا فيإحدى أجازاته أتيح له أن يزور أحد أصدقائه وهو ( سير توماس ستون ) وكان يعمل مديرالإحدى شركات قطع الأخشاب في كندا ، وكان سير (( توماس ستون )) قد لاحظ خلال إقامتهفيها وجود فروق واضحة بين أولاد الهنود الحمر وهم السكان الاصليون، وبين أولادالجاليات الأجنبية فقد كان الهنود الحمر يدربون أولادهم على إختراق الفيافي ، وتلمسالطرق في الغابات الكثيفة والأحراش المقفرة المخيفة والاهتداء إلى السبل في اللياليالمظلمة ، وتتبع آثار الإنسان والحيوانات بغاية الدقة .. بالإضافة إلى طرق التفننوالابتكار في التخاطب ، والحيل في التستر والاختفاء ، بينما كان أولاد الجالياتالأجنبية يتناقصون عاما بعد عام بسبب أن عددا كبيرا منهم كان يضل طريقه في الغابةفلا
يستطيع العودة بالإضافة إلى كثرة ما كان يتفشى بينهم من أمراض لما كانيبدو عليهم من ضعف عام وعجز عن إحتمال المشاق .
فكر ( سير توماس ) أن يكونمن أولاد هؤلاء الجاليات فرقا ، وسن لهم بعض القوانين ، فحرم عليهم التدخين وشربالخمور على إختلاف أنواعها وأخذ يعودهم على إختراق الفيافي ، ويدربهم على إقتفاءالأثر ، ويعلمهم بعض الحرف النافعة .
وأعجب بادن باول بهذا النظام وهذهالفكرة ولكنه ما لبث أن أنشغل بعمله وذاب في مهامه العسكرية .
كان بادن باولكشاف حرب من الدرجة الأولى ذا خبرة في إنشاء الطرق وإقامة الكباري وتكوين فرقالكشافة – كشافة الحرب , وهذه المواهب أهلته لأن يكون الرائد الأكبر للعلوم الكشفيةفقد تولى بنفسه تدريب الكشافين في الجيش موجها إياه للرجال الراغبين في إعدادأنفسهم للحرب والمستعمرات , من ثم رأى بادن باول أن يوجه نشاطه للصغار من أبناءبلاده فها هي فرصة عظيمة واتته في نشوة هذا النصر العظيم يجب أن يستغلها وأفئدةشعبه متعلقة به في إعداد النشء ليكونوا مواطنين صالحين وأستغل بادن باول خبرته التىأكتسبها في الهند وبين قبائل الزولو وغيرها من القبائل المتوحشة وأنكب على دراسةكتب التربية في سني نمو الفتى المختلفة وفى العصور والشعوبالمختلفة
زواج اللورد بادن باول
تزوج بادن باول من أو ليفياسانت كلير سوميز في ديسمبر عام 1912 . والتي ولدت في 22 فبراير سنة 1889 ، وشاركتهأو ليفيا اهتمامه الشديد بالشباب والنشء وانجبت له ولدا وبنتين . ولقد أراد كثرونمن صغار الفتيان أن يكونوا كشافين ، ولكن كان من الصعب أن يقوموا بالأعمال المحددةللفتيان الكبار في كتابه (( الكشفية للفتيان )) وأدرك بادن باول أن الفتيان الذينتتراوح أعمارهم بين ثماني سنوات وإحدى عشرة سنة يحتاجون الى منهاج خاص بهم وعثر علىالخلفية المناسبة لهذا التفكير في كتاب (( الأدغال )) لرديارد كبلنج ، وفيها حكاياتعن موجلى الإنسان الشبل الذي يترعرع في الأدغال مع الذئاب ، مطيعا أكيلا الذئبالعجوز الحكيم . ومتعلما قانون الأدغال من بالو الدب ، وباغيرا النمر ، و كا الأفعىوراكشا الذئبة الام . ونشأت حلقة الأشبال عام 1916